أمهات فلسطينيات في الأسر: عقاب مزدوج يطاول الأطفال

Source: 
الحياة
بقلم يوسف الشايب

كل ما تتمنّاه الأسيرة عطاف التي تقبع في سجن الرملة للنساء منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، من دون محاكمة أو اتهامات واضحة، هو رؤية طفلتها عائشة التي تبلغ عاماً ونصف عام فقط. وأخيراً، تحقّقت أمنية عطاف بعد إضراب عن الطعام لأكثر من أسبوعين، ما دفع إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية إلى الاستجابة لطلبها... وأُحضرت عائشة إلى " خلف القضبان " حيث انضمت إلى والدتها قيد الاعتقال الإداري، الذي قد تمدده سلطات الاحتلال من دون مبررات، كعادتها.
وتشير إحصاءات مؤسسة مانديلا لرعاية شؤون الأسرى والمعتقلين، إلى أنّ عدد الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال بلغ 114 أسيرة، 109 منهن يقبعن في سجن تلموند، وأربع في سجن الرملة، وواحدة في مركز تحقيق المسكوبية. ويبلغ عدد المتزوجات منهن نحو 22، 18 لديهن أولاد، وستّ أسيرات دون السن القانونية. أما عدد الأسيرات المحكوم عليهن فهو 71 أسيرة، 25 منهن حكم عليهن بالسجن المؤبد.

ويعاني الأولاد الأمرّين أحياناً، إذ يكون والدهم أيضاً معتقلاً، ما يحرمهم من رعاية الأب والأم على السواء ويولّد لديهم مشكلات وتعقيدات نفسية في المستقبل.

منذ اعتقال عطاف في العام الفائت، عانت ابنتها عائشة " حال ضياع "، على حد وصف والدها الأسير المحرر وليد الهودلي. وكانت ترمي الحلوى المفضلة لديها إذا ما شاهدت صورة والدتها. ويقول الأب: " كانت ترافقني باستمرار. حتى إذا استيقظت فجراً تستيقظ معي، خشية أن يتكرر مشهد اعتقال والدتها مع والدها ".

وترتسم معالم الحزن والألم على وجه الهودلي، المعروف بكتاباته الأدبية إبان اعتقاله بين 1990 و 2002، وهو يتحدث عن ابنته، التي كانت تصرخ " ماما ماما "، في الوقت الذي كان جيش الاحتلال يقود والدتها إلى "جيب الاعتقال". ويقول الهودلي: " منذ اعتقال عطاف، أضحت عائشة أكثر عصبية. وظهر ذلك في تعاملها مع ألعابها، بخاصة الدمى. كما باتت تعاني الأرق ليلاً، الى درجة أنني كنت أغفو قبلها أحياناً".

لم يكن سهلاً على الهودلي أن يرسل ابنته إلى السجن. ويقول: " افتقدها بشدة إلى درجة أنني أتحاشى الذهاب إلى المنزل قدر الإمكان، لئلا أتخيلها تركض هنا، وتلهو هناك. كما أنني أعيش مع صورها باستمرار. أعيش حال فقدان مزدوجة، فابنتي وزوجتي في السجن الآن. أنا أعرف الظروف الصعبة التي تعيشها الأسيرات وأطفالهن في سجون الاحتلال، لكن لم يكن في الإمكان رفض رغبة عطاف التي خاضت حرباً لتحضن عائشة".

وتؤكد المحامية بثينة دقماق، التي أقلت عائشة إلى سجن الرملة، أنها هاتفت الأب، وتأكدت مما إذا كان يريد إرسال ابنته إلى والدتها في السجن. وتقول: " الخيارات كلها صعبة. آلمني رأسي أياماً بسبب الضغط الذي تعرضت له ذلك اليوم. في البداية، رفضت مرافقة عائشة إلى الزنزانة، لقناعتي بأنني قد لا أحتمل هذا المشهد الصعب، بخاصة أنها كانت تلهو وتمرح أمام السجن. ما هزني هو منع عائشة من إدخال دراجتها الهوائية إلى زنزانة أمها".

وتشير دقماق إلى أن ما حصل "حالة غريبة ومعقدة. ولعل ما يخفف من صعوبة الأمر على الطفلة، أن المدة المتبقية من الاعتقال الإداري لوالدتها هي شهر ونصف شهر، وفي حال تم تجديد هذا الاعتقال، فإنها لن تمكث أكثر من ستة أشهر، فلا يجوز لها أن تبقى برفقة والدتها بعدما تبلغ العامين، بحسب القانون الإسرائيلي".

وتعيش الأسيرات الفلسطينيات ظروفاً مأسوية في السجن حيث تمارس في حقهن إجراءات قاسية، ويعشن في زنزانات انفرادية رطبة عدا اعتقالهن من دون محاكمة. كما يعانين من عقوبات غير إنسانية ضدهن. وقد تلجأ إدارة السجن إلى حرمان بعضهن من العلاج اللازم على رغم خطورة حالتهن أحياناً، مثل حالة المعتقلة أسماء التي تعاني مرض السرطان ولا تتلقى العلاج المناسب على رغم وجود تقارير طبية تؤكّد ذلك.