الصومال: حركة الشباب تقمع الجنوب
قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن الحركة الإسلامية المسلحة المعروفة باسم حركة الشباب تُعرّض سكان جنوب الصومال للقتل والعقوبات القاسية والرقابة الاجتماعية المشددة. وتستمر قوات الحكومة الانتقالية الاتحادية والاتحاد الأفريقي في العاصمة مقديشيو التي مزقتها الحرب، تستمر في شن الهجمات العشوائية، وقتل وإصابة العديد من المدنيين.
تقرير "حرب قاسية وسلام قاس: انتهاكات حركة الشباب والحكومة الانتقالية الاتحادية وقوات الاتحاد الأفريقي في الصومال"، الذي جاء في 62 صفحة، ينتهي إلى أن قوات حركة الشباب جلبت قدراً أكبر من الاستقرار للعديد من المناطق في جنوب الصومال، لكن بكلفة باهظة تكبدها السكان المحليون - لا سيما النساء. وبناء على أكثر من 70 مقابلة مع ضحايا وشهود عيان، يصف التقرير العقوبات القاسية، وتشمل البتر والجلد، التي يتم تنفيذها بشكل منتظم ودون مراعاة لإجراءات التقاضي السليمة. والأشخاص المتهمون بالخيانة أو بالتعاطف مع الحكومة - على أسانيد واهية في أحيان كثيرة - يتعرضون للإعدام أو التصفية الجسدية. وقد هدد مقاتلو الشباب بعض من قابلناهم بالقتل لمجرد أنهم يعيشون في مناطق تسيطر عليها الحكومة في مقديشيو.
وقالت جورجيت غانيون مديرة قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بينما جلب الشباب الاستقرار لبعض المناطق المبتلاة بالعنف منذ فترة طويلة، فإنهم قد لجأوا للقمع بلا هوادة والقسوة". وتابعت: "ويدفع السكان الخاضعين لسيطرة الشباب ثمناً باهظاً للغاية".
وقد لعب الفاعلون الدوليون الأساسيون في العادة دوراً غير منتج في الأزمة، وخففوا من تقدير آثار انتهاكات قوات الاتحاد الأفريقي المنتشرة في مقديشيو لحماية الحكومة الانتقالية الصومالية الضعيفة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
والكثير من عناصر سلطات حركة الشباب المحلية يُكرسون جهداً بالغاً للرقابة على حياة النساء ومنع أي اختلاط بين الجنسين. وقالت عدة نساء لـ هيومن رايتس ووتش إنهن تعرضن للضرب والجلد والسجن لمجرد بيع الشاي لدعم أسرهن، لأن عملهن يجعلهن على اتصال بالرجال. وفي حالات أخرى، تعرضت النساء للضرب لعدم الالتزام برداء العباءة - رداء يغطي الجسد من الرأس لأخمص القدمين - التي فرضها المسؤولون المحليون. وكثيراً ما لا ترتدي النساء العباءة، ليس كنوع من التحدي للأوامر، لكن لأن أسرهن غير قادرة على تحمل ثمن هذا الرداء.
وقالت امرأة لـ هيومن رايتس ووتش واصفة الضرب الذي تعرضت له عندما فرت من بيتها برفقة رضيعها دون عباءة: "راح يرفع يده ويضربني وهو يعد، واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة... أحسست بالألم الشديد، فلو كان معي سلاحاً ذلك الحين كنت لأقتل ذلك الرجل".
وقد عرّض عناصر الحركة بعض الشباب والصبية للانتهاكات، التي شملت التجنيد العسكري الجبري، والرقابة الاجتماعية المشددة. وقابلت هيومن رايتس ووتش شاباً شهد خاله يُقتل على يد مقاتلي الشباب لأنه رفض الكشف عن مكان ابن أخت له، 15 عاماً، كان قد فر من صفوفهم بعد أن أصيب في معركة. الضرب والإهانة في الأماكن العامة تستخدم كثيراً جراء جملة واسعة من المخالفات، مثل عدم الذهاب للمسجد، وإطالة الشعر، أو ارتداء ثياب يراها الشباب غربية.
وقالت جورجيت غانيون: "بالإضافة للانتهاكات في المناطق التي يسيطر عليها الشباب، فإن جميع الأطراف مسؤولة عن انتهاكات قوانين الحرب المستمرة في مقديشيو". وأضافت: "يتعرض الكثير من الصوماليين للقتال العشوائي وأنماط مروعة من القمع، وأعمال قاسية وعنف بالغ يتعرضون له بشكل يومي".
وفي مقديشيو، تقاتل الحكومة الانتقالية وبعثة الاتحاد الأفريقي - 5300 عنصر - حركة المعارضة القوية التي يهيمن عليها الشباب.
ويطلق مقاتلو المعارضة بشكل دائم قذائف الهاون بأسلوب عشوائي على أحياء سكانية تسيطر عليها الحكومة الانتقالية. وكثيراً ما يطلقون النار من مناطق سكنية على أمل إغراء الطرف الآخر بشن هجمات انتقامية لتشويه صورة الحكومة الانتقالية وقوات الاتحاد الأفريقي. وفي حالات كثيرة تلتزم القوات، وترد على الهجمات العشوائية بهجمات عشوائية أخرى. وقد أطلقت قوات الاتحاد الأفريقي قذائف هاون على مناطق مزدحمة بالسكان دون اتخاذ الاحتياطات الكافية للتمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية. وقابلت هيومن رايتس ووتش أشخاص على جانبي العاصمة شهدوا بأن أعضاء من أسرهم قُطعوا إرباً في مثل هذه الهجمات، وهو ما يخرق قوانين الحرب.
وهدد الشباب وغيرهم من مقاتلي المعارضة المدنيين وقتلوهم، ممن رأوا أنهم متعاطفين مع الحكومة الانتقالية. كما نفذ الشباب هجمات انتحارية مدمرة ضد المدنيين، منها هجوم في احتفال تخرج جامعي في مقديشيو أودى بحياة 22 شخصاً على الأقل، في ديسمبر/كانون الأول 2009.
وقد ثبت أن تدخل الأطراف الخارجية في الصومال يأتي بنتائج سلبية في العادة فيما يخص استعادة الأمن. فالدعم القوي للحكومة الانتقالية من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأفريقي، ومكتب الأمم المتحدة السياسي المعني بالصومال، أدى بهذه الأطراف إلى الإدانة السريعة لانتهاكات الشباب الجسيمة، مع تجاهل تام لانتهاكات الحكومة الانتقالية والقوات الخاصة بالاتحاد الأفريقي. وأرسلت الحكومة الأميركية قذائف هاون للقوات الحكومية في مقديشيو، رغم أن أي من أطراف القتال لم يستخدم الأسلحة بشكل يتفق مع قوانين الحرب.
كما أن كينيا المجاورة للصومال، وبموجب أعذار واهية، جندت بعض الشباب الصومالي من مخيمات اللاجئين للقتال، مما يخرق الوضع الإنساني الخاص بالمخيمات. إريتريا، في محاولة منها لتقويض المصالح الإقليمية لخصمها السياسي أثيوبيا، ساعدت الشباب على حيازة الأسلحة. ودعت هيومن رايتس ووتش الأطراف الأجنبية إلى إعادة تقييم سياساتها نحو الصومال والمساعدة على وضع حد للإفلات من العقاب الذي يؤجج نيران أسوأ الانتهاكات.
وقالت جورجيت غانيون: "لا يوجد سبيل سهل وواضح لحل الأزمة في الصومال. لكن القوى الخارجية عليها أن تتصدى لانتهاكات جميع الأطراف بدلاً من تجاهل الانتهاكات التي يرتكبها حلفاؤها".
والصومال مبتلاة بالنزاع المسلح منذ انهيار آخر حكومة قائمة لها في عام 1991. لكن تدهور الوضع كثيراً أواخر عام 2006، عندما تدخلت القوات الأثيوبية لسحق تحالف المحاكم الشرعية التي استولت على مقديشيو.
النزاع الذي تلى ذلك وضع القوات الأثيوبية وحلفاؤها في الحكومة الانتقالية في مواجهة مجموعة كبيرة من الجماعات المتمردة، منها الشباب، التي هبت لقتالهم. ودمر القتال مقديشيو، ودفع بمئات الآلاف من الصوماليين للخروج من بيوتهم، وأدى لنشوب أزمة إنسانية موسعة تستمر في التدهور. وقد انسحبت القوات الأثيوبية مع بداية عام 2009، لكن العنف مستمر بلا هوادة.
تصريحات للضحايا والشهود الذين تمت مقابلتهم في تقرير "حرب قاسية وسلام قاسٍِ":
"ثم سألوا زوجي: هل ستأخذ الجلدات العشر الموصوفة للنساء المفترض بهن ارتداء العباءة؟ فرفض وقالوا: إذن ستُجلد زوجتك... وجلدني شاب عشر جلدات بالسوط. ضربني كثيراً حتى أحسست بالحرارة والألم في كل أنحاء جسدي. كان يرفع يده ويعد: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة... من الألم لو كان معي سلاحاً كنت لأقلته".
-
- امرأة من مقديشيو راحت تبحث عن طفلها الذي تاه في الشوارع، واعتقلها مقاتلو الشباب لعدم ارتداءها العباءة.
"إذا عثروا عليك بدونها [العباءة]، يضربونك ويجلدونك. حدث هذا معي قبل شهرين. كنت واقفة أمام بيتي، عندما رأيتهم بالسياط والبنادق هرعت للداخل. لكن رجل منهم لاحقني وضربني بالسوط ثلاث مرات. واستخدم عصا من شجر المرير. وقال: لماذا لا ترتدين الحجاب؟ فقلت: ليس معي ثمنه، فقال: مستحيل، ادخلي بيتك.. إذن إما أن يكون معك ثمن العباءة، أو تبقين داخل البيت جائعة".
-
- امرأة من مزرعة قريبة من بلدة جيليب، شمال كسمايو.
"ذات يوم وأنا في طريقي من الكتاب للبيت، وجدت بيتنا وقد أصيب [بقذيفة هاون]. تحول البيت إلى تراب. أمي وأبي قُتلا. أعتقد أن أشقائي الأربعة ماتوا بدورهم... رأيت أجزاء من أياديهم وأرجلهم بالقرب من البيت، في مكان اعتدنا على الجلوس فيه. أنا في صدمة رهيبة. ولا أعرف من أنا".
-
- صبي في الرابعة عشرة من عمره قتل هجوم بالهاون أسرته بالكامل في سبتمبر/أيلول 2009.
"إنهم [الشباب] يستخدمون قذائف الهاون. يجلسون في مكان ما ويطلقون قذيفة أو اثنتين أو ثلاثة أو حتى عشرة. ثم يجمعون الأجزاء ويرحلون. ليس أمامنا سبيل للشكوى لهم [وأن نقول لهم كفوا عن ذلك]. حتى إذا بحثت عنهم، يمكن أن تُقتل. ثم أن الطرف الآخر يرد على هجماتهم دون تمييز. ذات يوم دُفن بعض أقاربي في بيتهم بعد أن أصابت قذيفة هاون منزلاً مجاوراً... مات ثلاثة أشخاص هناك. كان بيتي محجوباً بركام ذلك البيت. اضطررنا للحفر بأيدينا كي نخرج من تحت الأنقاض".
-
- أحد السكان سابقاً في حي تسيطر عليه المعارضة في مقديشيو.
April 19, 2010