السعودية/ سريلانكا: هل ل«ريزانا رفيق» الحق في الحياة؟
من حقنا كبشر أن نسأل عن أرواح البشر الآخرين التي تزهق بغير وجه حق، ومن حقنا في دولة قانون أن نسأل عن حقوق هذه الأرواح، ويتبع ذلك أرواح كل البشر، من ينتمي إلينا ومن ينتمي إلى غيرنا من شعوب طالما أننا ندين بدين العدالة ونتعبد لرب حرّم الظلم على نفسه. أطرح اليوم قضية طفل رضيع، فارق الحياة وهو في الشهر الرابع من عمره. خسر حقه في الحياة لأن من كانوا مكلفين بالعناية به والتأكد من أن حياته محفوظة وسلامته مكفولة وغذاءه وشرابه مؤمّنان لم يحسنوا القيام بهذه المهمة فأوكلوها إلى خادمة صغيرة في السن، أو قاصر(وفق الأوراق التي دخلت بها المملكة فإن عمرها كان 23 سنة ووفق شهادة ميلادها كان عمرها 17 سنة آنذاك)، لا يعرفون الكثير عن خلفيتها أو خبرتها أو أهليتها، وفي خلال أسبوعين من وصولها من سري لانكا (مايو 2005) كان الرضيع موكلاً إلى "ريزانا رفيق" بمفردها ومن غير إشراف، ولا ندري إن كانت دُربت خلال هذين الأسبوعين كفاية أم لا ولا بأي لغة تم ذلك، لكن النتيجة لا تنبئ بذلك، إذ إنه يبدو أن الطفل أصيب بغصة أو شرقة أو ما شابه ولم تعرف الخادمة كيف تتصرف وهي تصرخ طلباً للمساعدة وتحاول بعدم خبرتها أن تهدئ الطفل حتى وصلت الأم بعد فوات الأوان وقد قضى الرضيع بين يديها.
وما عرف عن القضية بعد ذلك أن الأسرة بلّغت عن الخادمة متهمة إياها بقتل طفلها، ثم وقّعت الخادمة على اعتراف بأنها خنقت الطفل، من غير وجود مترجم معتمد، ومنذ ذلك الوقت وهي في سجن النساء منذ عام 2005 بانتظار صدور الحكم الذي استأنف ثم رفع إلى المحكمة العليا في الدوادمي التي أصدرت الأسبوع الماضي حكماً بإعدامها بتهمة القتل (آراب نيوز 25/10/2010).
حالياً تكرر جمعيات حقوق الإنسان، والجمعيات الحقوقية والحكومة في سري لانكا مناشدة خادم الحرمين الشريفين بالعفو عنها والدعوة إلى إعادة النظر في هذا الحكم بناء على عدد من الحيثيات التي لم يؤخذ بها بشكل كاف كما يبدو. ونحن كمواطنات ومواطنين نتساءل حول ما إذا كان هناك تسرع في أمر هذه القضية بحيث أُغفلت بعض الأطراف المسؤولة من تحمل مسؤولية الجريمة المرتكبة في حق هذا الطفل أم لا. وقد جرت مساع حثيثة لطلب العفو أو حل القضية بزيارة وفد رفيع المستوى على رأسه نائب وزير الخارجية السري لانكي إلى الدوادمي لمدة أسبوع عام 2007 تفاءلت أسرتها خلاله لكنه لم يدم طويلاً. فكلفوا محاميا سعوديا للترافع في هذه القضية الذي طلب التمييز لتأكده من قوة أدلة إثبات براءة الخادمة والذي يعني عدم انتظارهم لعفو والديْ الرضيع. لكن هذا التفاؤل لم يكن، كما نرى من قرار المحكمة العليا، في محله.
وتبرز هذه القضية عدداً من القضايا والتساؤلات التي آمل أن يتسع لها صدر القضاء لدينا. أولاً: كيف يتعامل القضاء مع حق الطفل المتوفى في رعاية والديه ومسؤوليتهما تجاهه؟
ثانياً: كيف يتم التواصل مع العمالة غير العربية في قضايا مصيرية كهذه؟ حيث تشكو المنظمات الحقوقية من كون العاملة لم يتوفر لها من يترجم أقوالها أو يترجم لها الاتهامات الموجهة إليها أو الاعتراف الذي وقعت عليه.
ثالثاً: كيف ينظر القضاء إلى مسؤولية مكاتب الاستقدام التي تزوّر في شهادات ميلاد العمالة المستقدمة حتى لا تتمكن من استقدام الفتيات مهما كانت أعمارهن صغيرة وغير مؤهلة وغير قادرة على تحمل مسؤوليات العمل الملقى على عاتقهن؟
لاشك أن هناك مسؤولية موازية تقع على أسرة الفتاة الخادمة التي كانت تدرك عمرها الحقيقي لكنها وافقت على أن تتغرب وتذهب للعمل في الخليج.
ثم كيف تصدر الأحكام المشددة وما الفرق بينها وبين أحكام القتل الخطأ ودفع الدية؟
آمل أن يتسع صدر القضاء لتوضيح هذه القضايا المصيرية التي عادة ما توكل إلى المحاكم الشخصية أو محاكم الأحوال الشخصية، ولكن باعتبار أن هذه المحكمة ما زالت لم تُشكل فإن المحكمة العامة التي تنظر في كل أشكال القضايا مناط بها أيضاً هذا النوع من القضايا.
ولعل من المهم الإشارة إلى شيء عن خلفية هذه الفتاة ومن أين استقدمت. فهي تنتمي إلى أقلية مسلمة تعيش بين أغلبية من التاميل الثوار في مدينة "موتّور" Muttur، على الساحل الشمالي الشرقي لسري لانكا، وقد حُصروا في حرب أهلية طاحنة مضى عليها ثلاثة عقود وهم ليسوا طرفاً فيها لكن اضطروا لدفع الثمن غالياً. وقد أدى هذا إلى وقوع العديد من القتلى من الجانب المسلم من المدنيين فضلاً عن تعرضهم للتضييق على نشاطاتهم الاقتصادية من قبل الحكومة في محاولتها محاصرة التاميل وغلق منافذ المياه. فمنع المسلمين من ممارسة أنشطتهم الاقتصادية كالصيد الذي هو عماد اقتصادهم مع جمع الحطب وقطع الأحجار، واضطر حوالي 35000 ألف شخص للتهجير وتغيير المساكن لمدة شهر تقريباً. وقد أدى ذلك إلى وضعهم في ضائقة اقتصادية صعبة لم تتمكن الحكومة السري لانكية من تعويضهم عنها فتضطر لذلك العديد من الأسر الاستجابة لضغوط تجار مكاتب الاستقدام وإرسال بناتهم القصّر دون التدقيق في مسألة أعمارهن أو تزويرها لكسب لقمة العيش. وبهذه الطريقة وصلت ريزانا رفيق إلى البلاد عام 2005 للعمل كخادمة لدى هذه الأسرة المنكوبة.
آمل أن ينظر قضاؤنا برأفة وعدل في قضية هذه الفتاة المستضعفة وألا نكون مستعجلين في أمر قد يحتمل عدة أوجه، وأن يُحاسَب جميع المسؤولين عن وفاة الطفل الرضيع، رحمه الله وألهم ذويه الصبر والسلوان.
وأخيراً، أين هي حدود مسؤوليتنا الشخصية تجاه العمالة التي نستقدمها لتقاسمنا حياتنا بحلوها ومرها؟
د. هتون أجواد الفاسي