' شدي الضفاير' - فاطمة إمام
النسويات زي أي بني ادمين يكون آرائهن ومواقفهن من ظروفهن، ونشأتهن، وقراءاتهن، و خبراتهن ... و سمعت من نسويات كتيرات أن أكتر حد أثر فيها هي أمها أو شخصيات أنثوية تانية زي الجدة، أو العمة، أو المدرسة، إما لانها كانت شخصية أيقونية شديدة القوة وهي اللي قادرة تقود حياتها و حياة عيلتها وأطفالها ... أو لأنها النموذج التاني أي تعرضت للاذي كتير اوي و اتقهرت من مجتمع و شخصيات أبوية .
أنا واحدة من الناس دي، أمي و جدتي لأمي أثروا في حياتي أوي ... و كل ما أكبر واوعى أكتر أحس ازاي السيدتين دول واجهوا ظروف خانقة ومجتمع غير ودود. جدتي الأرملة اللي ما عندهاش دخل تقريبا، اللي بتربي 3 أولاد، وحظها إنها منتمية لعيلة متضامنة و متكافلة فعلا، وأمي كمان اللي خاضت ظروف صعبة جدا من أول النشأة في عيلة شديدة الفقر وتطلعها لمستقبل أحسن، واجتهادها إنها تحسن وضعها بالتعليم، وازاي إنها دخلت تعليم جامعي بس عشان تحقق حلم جدتها اللي صعب عليها إن بنات العيلة درسوا في الجامعة و أمي ممكن تمنعها ظروفها من ده. و فعلا أمي درست في الجامعة ، بعد ما درست في مدرسة ثانوي ليلية وفي نفس الوقت اللي كانت بتشتغل فيه، وبعدين زواجها بأبويا اللي كان بيمر بظروف صحية خاصة، وكان لها تبعاتها علي حياتنا، وازاي أمي استحملت كتير اوي عشان العلاقة تستمر، وازاي إنها طول الوقت كانت مهتمة إنها توفر لنا أفضل الظروف اللي هي ما حظيتش بها، من تعليم عالي الجودة، و كماليات كتير، ولغاية دلوقتي ازاي كل همها إنها توفر لنا أمان كامل و اللي بتمثل عندها في الأمان الاقتصادي.
أمي اللي بأحبها أوي مش ملاك و لا ستي كمان .... رغم إني بأحبهم أوي بس ـنا كمان شايفاهم كانوا شريكات في إعادة إنتاج القهر، اللي ستات كتير بتعمله، متخيلين إن الرضوخ لمعايير المجتمع هو المنجي الاخير لأي أنثي و المهرب من الاستبعاد وألسنة الناس اللي بتقتل. الجدة و الأم الاتنين استخدموا عنف تجاهي على أمل إني أبقا بنت كويسة، ومثل "اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24 ضلع" كان مثل أساسي في حياتي. أنا مدركة دلوقتي إن ما كانش عندهم خيارات كتير، أو إنهم ما كانوش يعرفوا إن في خيارات أو تخيلوا إن الخيار ده هو الأحسن .
أنا ساعات بأحس إن علاقة الأم بالابنة من أعقد العلاقات، وساعات بأحس إن حنان ماضي لخصتها في أغنيتها "شدي الضفاير" . الضفيرة اللي بتخبي فيها الام الورث ...تقاليد، وعادات، ودين، و معلومات .... مع كل ضفيرة الأم بتتأكد انها بتصيغ شكل بنتها ...شخصيتها .... و يمكن مصيرها...
أنا عارفة إن أمي أكتر حد حبني، بس كان بيصعب عليا ليه بتختار لي خيارات صعبة و انا رفضاها... ليه رغم إني كنت صغيرة اوي، الا اني عرفت اعافر ضد رغبتها في ختاني ...في 1994 كنت يا دوب 12 سنة...و كنت باقرأ جرايد ويمكن ده من الحاجات اللي نجتني إلى جانب أبويا اللي كان بيحمل فكر تقدمي. ساعات كتير حسيت بالضغط إن كل قرار في حياتي كان لازم أخوض معركة عشان آخد حقي في تقرير مصيري، مش هنكر إنها كانت بتدعمني مجرد إني اخدت قراري
ساعات تانية كنت بحتار ليه أمي عايزة عايزة تصبغ حياتي بتجربتها، ليه مش عايزة تصدق إني اتخلقت في عالم مختلف وإن رغباتي واختياراتي مختلفة ....لسة مستاءة إن أمي مش سعيدة بخطواتي في الحياة لأنها في درب تاني غير دربها ... لسة باضايق إنها بتدعي في كل صلاة إن ربنا يهديني، و لو إني مش مهدية عشان اخترت سكة بتاعتي بأدور فيها على حلمي . عارفة إنها بتدور على أحلامها المبتورة فيا، وعارفة إن أنا فرصتها الوحيدة ‘ن حلمها يتحقق و يكبر ...بس ده عبء ينوء به عاتقي.
ساعات بأحس إننا بنقسا على بعض أكتر من الناس، ومن الزمن، ونتخيل إننا لو حطينا بناتنا في قوالب حديد تسحق رجليهم، يبقا كده أحسن مساعدة نقدمها لهم ....
أنا مؤمنة إن دوايرنا الخاصة هي اللي بتحدد خياراتنا في الحياة العامة، وتنعكس عليها بقوة ...وأنا كمان شايفة إن حب الأمهات ساعات بيبقي زي حب الدبة اللي قتلت صاحبها ...مش بأحب فكرة بيروج لها البعض إن الأمهات بيحبوا يشوفوا بناتهم يتألموا زيهم ....فكرة سادية أوي ما تتفقش مع رقي العلاقة و قدسيتها اللي بين الأم والبنت.
أمي ..كانت سندي والمكان الوحيد اللي عارفة إنه مش ها يضيق بيا مهما ابدت استياءها من تخييبي لاملها ...بس نفسي لما أبقا أم ما أكتفش جناخات بنتي وأسيبها تطير ...حرة طليقة
و زي ما اغنية شدي الضفاير قالت :
و كلام بأحسه و باقولها مرة.....عذاب بأحسه عذاب و ثورة