المرأةُ الليبية عَدوّة نَفسِها.. وعَليها اكتِساب ثِقة المرأة قَبل الرجل
ضحّت المرأة الليبية بالغالي في الثورة، وانتقلت من حال القمع إلى حال العامل السياسي والنيابي والاجتماعي، لكنها لا تزال قاصرة عن اكتساب ثقة النساء في ليبيا، اللواتي يعتبرن بأن السياسة ميدان الرجل وحده. شاركت المرأة الليبية في ثورة 17 فبراير، وقاسمت الرجل نزيف الدم والشهادة والتضحيات، وشاركته المسؤولية في كل مراحل الثورة على النظام السابق. لكن، بعد تأسيس المجلس الإنتقالي والمؤتمر الوطني، وبداية تشكل مؤسسات الدولة الليبية الحديثة، لا تزال نسب مشاركة المرأة ضئيلة مقارنة بالجهود التي قدمتها. فمشاركتها في المؤتمر الوطني لم تتجاوز نسبة 16.5 في المئة، على الرغم من إلتزام الكتل السياسية و الأحزاب والمرشحين بقانون التناصف بين المرأة و الرجل في قوائمهم الانتخابية.
قطعت الحاضر عن الماضي
رزحت المرأة الليبية طويلًا تحت نير نظام العقيد المقتول معمر القذافي، فهل ورثت الثورة عن ذلك العهد عقلية تهميش المرأة وتغييبها عن مواقع القرار؟ تقول نعيمة الحامي، نائبة رئيس كتلة تحالف القوى الوطنية في المؤتمر الوطني العام، لـ "إيلاف" إن ثورة 17 فبراير لم تتنكر لتضحيات المرأة، بل كرمتها و زادت من قيمتها، "وقطعت جذريًا صلة الراهن الليبي بالماضي، دافنةً معه منطق عزل المرأة، وأكبر دليل على ذلك وجودي في البرلمان". وترفض فوزية عطاء المصري، رئيسة جمعية العطاء الخيرية ونائبة رئيس المجموعة الليبية للمطالبة بالسجناء الليبيين في الخارج، هي الأخرى، فكرة تواصل عقلية تهميش المرأة، تقول: "لا وألف لا، فعهد تغييب المرأة ولى وإنقضى، وأنا تكفيني عضويتي في الحزب، بعد 40 سنة من نظام من تحزب فقد خان، الحمد لله فنحن كسرنا القاعدة و إنتمينا للأحزاب و نحن سعداء بهذه التجربة".
حرية وعطاء
تضرب الحامي مثال السيدة وسيلة العاشق، أول رئيسة حزب في ليبيا، على حقوق المرأة الليبية المحفوظة، وعلى الحرية التي نالتها. تتساءل: "أطرح دائمًا سؤالًا على المرأة في بلادي.. ماذا ينقصك؟ فأنا أغادر بيتي متى أشاء. وأقود سيارتي. وأمارس حريتي من دون أي تدخل من أحد". وترى المصري أن دور المرأة الليبية كان فعالًا في أحداث التحرير و ما بعده. فهي من دافعت بشدة على حقوقها كمرأة في عهد الطاغية. تقول :"قال لي المنصف المرزوقي، رئيس الدولة التونسية، في لقاء جمع بين الرئاسة التونسية و المجموعة الليبية لإسترجاع السجناء الليبيين، إن الثورة الليبية كانت فريدة في نوعها، كما أشادت الرئاسة التونسية بدور المرأة الليبية في الثورة و في العمل الميداني". وتضيف: "كان الوفد الليبي يضم ثلاث نساء ورجلين، وقامت المشاركات بدورهن الفعال والمؤثر في الدفاع عن حقوق السجناء الليبيين، فهنّ اليوم قادرات على البروز والعطاء، بينما في الماضي، النساء المقربات من القذافي فقط تميزن بالحضور الفاعل، ونحن نعلم ماذا أعطينه".
تعويل على المرأة
تشدد الحامي على إحترام حزبها للعنصر النسائي. فحزب التحالف الوطني قدم 20 عضوة في المؤتمر من بين 39 عضوة، "وهذا أكبر دليل على أن حزبنا يعوّل على نضال العنصر النسائي، ونحن نسعى جاهدات لزيادة عددنا ومضاعفة تأثيرنا". تجدر الإشارة هنا إلى أن حزب التحالف هو من أقوى الأحزاب الليبية حاليًا، على الرغم من أنه حديث الولادة، مقارنة بحزب العدالة والبناء و جبهة الإنقاذ. لكنه قدم برنامجًا منظمًا جدًا، وكانت له مكانة سامية في المشهد السياسي الليبي. وهو أنشأ مكتبًا لشؤون المرأة، تترأسه سنية غومة، أحد مؤسسي الحزب. أما المصري فلا تحصر الأمر بحزب التحالف. تقول: "من خلال تجربتي وخبرتي وعلاقتي بالمجتمع المدني الليبي، أرى أن كل الاحزاب حاليًا تُعوّل على المرّأة، و لا تستغني عنها، فحتى التكتلات السلفية اعتمدت على حضور المرأة في حملاتها".
وعي المرأة يبني البلد
تبدي المصري عدم رضاها عن دور المرأة في المؤتمر الوطني، "لأنها ضعيفة، حضورًا وتصريحًا، ناهيك عن مداخلاتها التي تخلو من القوة و التأثير "، متمنية أن تفرض المرأة نفسها داخل القاعة، بآراء قوية نابعة من التصاقها بالمجتمع الليبي. ولا تُنكر الحامي قصور تجربتها السياسية، فهذه هي أول مرة تترشح فيها لمثل هذا المنصب، وتحمل هذه المسؤولية الجسيمة، مثلها مثل جميع العضوات حديثات العهد بالعمل السياسي والبرلماني. تقول: "كنت دائمًا أطرح هذا السؤال على نفسي: هل أتكلم كامرأة؟ أم كمواطنة ليبية؟ أم كعضوة في الحزب؟ لكن التجربة علمتني أن الموقف هو ما يحدد موضوع خطابي". هذا الإرتباك قاسم مشترك بين كل العضوات في المؤتمر، فهن يمثلن المرأة الليبية بكل شرائحها، ربة البيت والأم والطالبة والزوجة والمحامية، وهو ما جعلهن يندفعن لجمع كل هذه الصفات فيهن حين يتكلمن. لكن المصري تلاحظ أن العضوات لا يزلن بعيدات عن المرأة الليبية البسيطة، وتدعوهن للخروج ببرامج ميدانية تمنحهن فرصة الإقتراب أكثر فأكثر من المرأة الليبية لحمل همومها والاهتمام بقضاياها الحساسة والمستقبلية، كالاغتصاب والاضطهاد وحق الجنسية المسلوب من أبناء الليبيات المتزوجات بغير ليبيين. وترى المصري أن الرهاننا اليوم هو على قدرة العضوات على الإرتقاء بالمرأة الليبية، "لذا يجب وضع برنامج عام لتقوية مدارك المرأة الليبية، و دعمها فكريًا و أدبيًا وعلميًا، فنسبة النساء 56 في المئة، منهن 40 في المئة شابات، وهذه الفئة تحتاج إلى تنمية قدراتها و توعيتها، لأن وعي المرأة هو الذي سيبني البلد".
دسترة خفية
من جهتها، تؤكد الحامي علىالجهود التي تبذلها عضوات المؤتمر لضمان حقوق المرأة و تحسين وضعها، قائلة: "نحن العضوات، بمختلف توجهاتنا وأفكارنا، نتضامن لنضمن حقوقنا، أي توجد كتلة نسائية ضاغطة داخل المؤتمر، فنحن متحدات من أجل المرأة،ونضع كل خلافاتنا السياسية و صراعاتنا الحزبية جانبًا من أجل ضمان حقوقنا و حقوق بناتنا". وكانت العضوات قد حاولن تأسيس لجنة حقوق المرأة، ولم يفلحن في ذلك، لكنهن إستطعن تأسيس ملف حقوق المرأة والطفل في لجنة حقوق الإنسان، ومن خلال هذا الملف تمرر العضوات القرارات والقوانين التي تراها مناسبة ولازمة، في ما يشبه دسترة حقوق المرأة بليبيا. إلا أن المصري لم ترَ ولم تسمع عن مسألة دسترة حقوق المرأة الليبية، "فالأمر شبه غائب عن المشهد الاعلامي، وحتى عند عامة الناس الذين يرون أن أداء المؤتمر ضعيف". تضيف: "على الرغم من وجود ملحق إعلامي داخل المؤتمر، إلا أنني لم أسمع بلقاءات مع منظمات المجتمع المدني، ولم يصلني خبر عملها الميداني في سبيل دسترة حقوق المرأة". وتسأل: "لما لا يخبرون الناس بكل ما يقومون به في مجال حقوق المرأة؟ المفروض أن تكون كل هذه النشاطات جلية للعيان".
المرأة عدوة نفسها
كيف تشجع المرأة المرأة؟ كيف ندفع المرأة لدعم المرأة خصوصًا أنها تضع ثقتها في الرجل؟. أسئلة تطرحها الحامي، لأن المرأة ترى أن الرجل أكثر كفاءة منها في عالم السياسة. تقول المصري: "سبب غياب المرأة عن المؤتمر الوطني هو أن المرأة الليبية لا تصوت للمرأة و لا تمنحها ثقتها، وهذه المسألة من أهم معوقات قيام المرأة بدورها السياسي". تضيف: "العمل الميداني وحده يصقل مواهب المرأة، بحكم أنه لا يفرض عليها قيودًا، إذ أن الأساس في العمل الخيري هو التطوع و الإرادة، من أجل ذلك يجب على المرأة صقل مواهبها و تمكين قدراتها، وتعميق صلاتها بالجمعيات النسائية، والدخول في مشاريع توعوية". وتوافقها الحامي مؤكدة أن الثورة فتحت أمام المرأة باب المشاركة الاجتماعية في شتى المجالات، وخصوصًا في المجالات التوعوية. تضيف: "مسألة العراقيل التي تواجه المرأة مرتبطة أساسًا بالمرأة نفسها، لأن المجتمع الليبي مجتمع محافظ، يحترم المرأة المحتشمة التي تحافظ على مظهرها اللائق و لا تمس بعادات و تقاليد المجتمع، ويثق بها". وترى المصري أن التعصب الفكري والعادات والتقاليد البالية تعيق تقدم المرأة الليبية، "بالإضافة إلى فهم الدين بالخطأ، وعلى المجتمع أن يتقبل فكرة أن المرأة كائن فعال، وله رسالة يدافع عنها، ويناضل في سبيل إحقاقها، وله الحق في الإحترام". وتقول إن نظرة المجتمع الليبي للمرأة تغيّرت، وهذا التغيير يعود إلى أن الشارع الليبي لا ينكر التضحيات الجسام التي قدمتها المرأة الليبية في الثورة، فكانت الممرضة والأستاذة والطبيبة وربة البيت والطالبة والعاملة والمحاربة، لبت نداء الوطن والحرية، فكسبت الاحترام، "وعليها الآن تثبيت هذه المكانة بالعمل الجاد في الشأنين الاجتماعي والسياسي".