مصر: فاطمة إمام: النساء: شريكات معركة أم دروع بشرية

في خضم الأحداث التي تجري في مصر منذ 28 حزيران- يونيو و حتى كتابة هذا المقال، تعتري البلاد موجات عنف واستقطاب سياسي حاد، ويتساقط المصريون بانتماءاتهم المختلفة  قتلى ومصابين في صراع يعلم الله متى ينتهي وإلى أي منقلب سننقلب.

بين كل الضحايا الذين سيقوا إلى مذابح -بسبب تشبث طرف بالسلطة وبسبب رغبة أطراف أخرى في إعادة صياغة الموقف السياسي باستخدام البطاقة الأخيرة وهي الحشد  الجماهيري ووضع الطرف الأول أمام الأمر الواقع- لفت نظري بعض الملاحظات لها علاقة بدور النساء في الأحداث الجارية واستخدامهن.

سأستهل هذا المقال بطرح مفاده أن النساء تم استخدامهن واستغلال جنسانيتهن وتم  استدعاء قيم مجتمعية مثل الشرف و العرض  و الحرية في صراع سياسي من كلا الطرفين .

و لعل أول ما استرعى اهتمامي مفهوم "الحرائر" الذي استخدمته نساء الاخوان لتوصيف مسيرتهن التي نظمت احتجاجا على أحداث الحرس الجمهوري[1] وعلى الرغم أنه ليس أول استخدام للمفهوم في السياق المصري ، فقد استخدمته نسويات  وناشطات سياسيات لوصف التظاهرة التي خرجت منددة بما حدث لست البنات في 2012[2].

فعلى الرغم من أن الأخوات ممثلات في منال أبو الحسن أمينة المرأة في حزب الحرية والعدالة، قد ابدت استيائها من مسيرة الحرائر التي نظمتها النسويات في 2012 واندهشت لماذا تخرج النساء للتظاهر والمطالبة بحقوقهن وكأن ليس لهن أخ، أو زوج، أو أب يراعهن ويطالب بحقوقهن.[3] ولكن يبدو أن السحر قد انقلب على الساحر واضطرت الأخوات ان يقمن  بعمل كن ينتقدن الآخرين على القيام به، والذود عن أنفسهن والمطالبة بحقوقهن. أما عن مفهوم الحرائر في حد ذاته، فعند ذكره أجد نفسي أمام تصنيفات عفى عليها الزمن، حينما كان هناك حرائر، وهن النساء الأحرار وإماء  وهن اللاتي ولدن تحت ربقة العبودية و ذوات رايات حمر و هن العاملات بالجنس طبقا للمصطلح الحديث، وهو تقسيم طبقي يستدعي عصور مظلمة، كان الإنسان يقيم فيها طبقا لمن ولد له وأي عائلة ينتمي إليها. وهذا الوصف ينكر عن الخصوم السياسيين حقوقهم و وصمهم بصفات سيئة و متدنية.

لا ألوم الاخوات فقط على اختيار هذا المفهوم الطبقي البغيض الذي يصم كل  المعسكر المخالف لهن انه اقل شأنا و مقاما و ينفي عنه حريته  فكذلك فعلت النسويات أيضا، ففكرة استخدام مفهوم الحرائر فيه من الاساءة و نفي فكرة المساواة بين جميع البشر على الرغم أن المساواة بين البشر مبدأ اصيل في الإسلام كما هو مبدأ اساسي في شرعة حقوق الإنسان. ولكن يبدو أن ألاعيب السياسة تخرج لاعبيها عن النص و تنسيهم مبادئ يدعون أنهم يعتنقونها.

وإلى جانب استخدام عبارات ذات مضامين سلبية مثل الحرائر، فقد تم نشر إشاعات مسيئة وتحط من شأن النساء، على سبيل المثال ادعاء وجود جهاد تناكح في أمكان اعتصام مؤيدي الرئيس المعزول يقصد بمفهوم جهاد التناكح تقديم خدمات جنسية في منطقة الاعتصام، وتعد هذه الخدمات جزءاُ من الأعمال الجهادية و تختص النساء بالقيام به. وتواترت أخبار عن هذا الفعل في سياقات اخري مثل ما يحدث في سوريا.  وأري  أن هذه الإشاعة مسيئة للنساء وتصورهن وكأنهن نساء راحة comfort women  يقدمن خدمات جنسية  للجنود في ساحة المعركة، ولكم ان تتصوروا مضمون التعليقات على هذه الإشاعة ومدى بذاءتها وما تحمله من تشيئ وتصوير للنساء علي انهن موضوعات جنسية وحسب.

وفي سياق مرتبط تواترت إشاعة ان قيادة اخوانية بارزة تم اغتصابها من قبل قوات الجيش ، وقد أدت هذه الشائعة إلي موجة من الاستهزاء والتشفي، وعلى الرغم أن هذه الشائعة لم يتم تأكيدها، ومن الواضح أنها كانت نتاج رغبة في استدرار تعاطف المصريين

وإذا كانت فكرة جهاد التناكح تستخدم عامل جنسانية النساء لوصم طرف سياسي، فإن جنسانية النساء كانت سلاحا حادا موجه لهن  في سياق آخر، وأقصد بذلك حالات الاعتداء الجنسي في ميدان التحرير وأماكن أخرى إلتي وصلت إلي حد الاغتصاب . فقد ذهبت العديد من النسويات  ان تهديد النساء باستخدام سلاح العنف الجنسي بدرجاته المتنوعة ما هو إلا محاولة لابعاد النساء من المجال العام و جعل الشارع مكان غير آمن، حتى ترجع ادراجها و تبتعد عن المشاركة.

إلا أن النساء لم يستخدمن كمواد لصنع الشائعات وحسب بل تم استخدامهن لكسب التعاطف وكان ذلك واضحا في حادثة المنصورة[4]، حيث قضت ثلاث سيدات نحبهن  أثناء  المشاركة  في مظاهرات التأييد للرئيس المعزول. وانتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي دعاوى تستنكر قتل النساء وتطالب بالتعامل معهن بما يتوافق مع طبيعتهن. وعلى الرغم أنني ضد إراقة المزيد من الدماء -فكفانا ما أريق- إلا أن على المدقق أن يري الصورة كاملة ويعلم أن أياد ما ترسم تفاصيل الصورة وأسهمت بشكل أو باخر في مصرع الثلاث وغيرهن من الرجال وذلك عندما أعلوا من قيمة الجماعة وتناسوا أهمية أعضائها.

نهاية يبقي موقف زوجة خيرت الشاطر[5] إجمالا لكل ما ذكرت، فقد كانت تصيح غاضبة أن الشر طة دخلت عليها دون أن تمهلها فرصة لارتداء حجابها واشارت إلى انهيار القيم والاخلاق. فبين الاخلاق و المبادئ ، تستخدم النساء كروت لكسب معركة سياسية دون النظر لعواقب هذا الفعل. كانهن ليسوا شريكات معركة بل أدوات أو دروع بشرية.