مصر:بين الكيتش النسوي والقائد الـ «سوبرستار»
أردت أن أكتب أنْ لا حركة نسوية مصرية معاصرة حقيقية. لكنني شعرت بعدم الرضى وبشيء من المبالغة، وربما بالتخلي عن القليل من الاندفاع الناتج من غضب، سببه الاستياء من حركة لا تتقدم وبفقدان الاهتمام بالانتماء إلى حركة تحمل نفس مساوئ النظام المجتمعي الذي يُفترض أن يُحارَب. ربما بقليل من الهدوء قبل الشروع في الكتابة، ستأخذ من يُعرفن بناشطات نسويات هذا على محمل الجد وسيمرّ في عقولهن أنّ النسوية ليست تجربة حياتية شخصية لفرد تطبق بحذافيرها وتصبح درساً مُسلّماً بيه لتخلق كائنات فضائية متشابهة. >وبالتالي، يجب إدراك أنّ الحركة النسوية تعاني مشاكل كبيرة. التعميم غباء حتمي. بالطبع، هناك نسويات مصريات؛ ليس بالضرورة أنّهن يطلقن على أنفسهن اسم نسويات، لكنهن يبعثن الأمل ويخففن من حدة العدمية التي تطبق على أنفسنا في هذه اللادولة العبثية. في 2012 في وسط القاهرة، أقيم اجتماع نسوي هدف إلى لمّ شمل الحركة النسوية. يحتل المكان سيدات أغلبهن تقدمن في السن ولم تتقدم أفكار أغلبهن معهن ولا خطابهن، فبدون قمة في الانفصال عن الواقع، يتحدثن منذ نحو ربع قرن عن «الخلع» و«الختان»، ويتحدثن عن أنّ فتات الحقوق التي حصلت عليها النساء في عهد مبارك ستزول في عصر الإخوان، وأنّ النساء لن يصلن إلى البرلمان. القاعة يتخللها القليل من النسويات الشابات اللواتي لا يشعرن بالانتماء. وبالنسبة إلى بعضهن، فإنّ أسوأ كوابيسهن أن يصبحن مثل من يشغلن المنصة.
في هذا المشهد، أنا لا أنتقد النسويات أنفسهن، بل خطابهن الذي يسبّب ــ للأسف ــ تعاسةً في سطحيته وجهله. مثلاً، أغلب النسويات الأكبر سناً، اختصرن مشاكل المرأة في تجريم الختان والحق في الخلع. أما النسويات الشابات فموضوعهن المفضل هو التحرش الجنسي الذي تفاقم فوق أجسادنا جميعاً بشكل موجع. بالطبع، نقدي هذا ليس استخفافاً بالقضايا، لكن غضباً من نوعية الخطاب ومحدوديته واستخدام ما يجلب بروباغندا وقبولاً اجتماعياً وتعاطف المجتمع مع المرأة لأنها «ضحية» مجتمع عنيف عدائي، لا لأنّ الحقوق والواجبات لا تختلف بمجرد نوع جندر. في مقارنة سريعة بين الوضع الحالي للنسوية وبعض الرموز النسوية المصرية وتحديها للسلطات، بما فيها الدين، نرى كمثال نوال السعداوي وكتبها التي تحدثت عن أنّ ختان الإناث جريمة إنسانية تتم ممارستها ويجب تحريمها قانونياً. خطابها هذا كان في أول السبعينيات حين كان الختان ممارسة اجتماعية تستند بشدة إلى الدين، وخصوصاً الإسلام وتجرى لأغلب الأناث. نرى أنّها تحدّت السلطة الأبوية مروراً بالأديان جميعاً والمجتمعات العربية والغربية. ونرى درية شفيق ونضالها للحصول على حق المرأة في التصويت. وكمثال أخير، نرى من لم تطلق على ذاتها نسوية: أروى صالح مؤلفة كتاب «المبتسرون» تنتقد ذاتها أولاً ثم رفاقها في الحركة الطلابية في السبعينيات والسلطوية التي تُمارَس داخل الحركات. وقد مرت كذلك على ذكورية وازدواجية رفاق النضال من الرجال. حللت في الكتاب جيل السبعينيات وسياساته. والجدير بالذكر أنّها انتحرت بعد انتهائها من هذا الكتاب ضيقاً من الحياة وفقداناً للأمل.
تلك الأمثلة من مناضلات قدرن على تحقيق تغيير بتحديهن. لكن بخصوص خطاب التقبل المجتمعي الحالي، فرواد الحركة النسوية المصرية المعاصرة، فعلياً لا يتحدون السلطة، سواء اجتماعية أو سياسية. يتلخص الفعل النسوي في مصر في كونه رد فعل. تحدث كشوف عذرية للمتظاهرات وتتم تعريتهن أثناء تظاهرهن، فتدعو الناشطات إلى مسيرات. يتفاقم الاعتداء الجنسي الذي وُجد بأشكال أخف في أول أيام في الثورة، ثم وصل إلى اعتداءات جنسية جماعية تصل إلى اغتصاب المتظاهرات في ميدان التحرير، فتدرك الناشطات حجم الكارثة. ثم يبدأن في أخذ رد فعل يُحترم، فتتأسس قوة ضد التحرش تتطوع فيها نساء ورجال لحماية الميدان. لكن تسييس خطاب الحركة النسوية بأكملها تجاه الاعتداءات الجنسية التي تحدث بعشوائية شديدة وتلخيصها في أنّ سياسة الإخوان هدفها إرهاب المتظاهرات وإبعادهنّ عن المجال العام، أمر يبدو كخلق واقع أرحم في قبحه من واقعنا: تجاهل أنّ العنف الجنسي ذاته حدث في ظل حُكم المجلس العسكري بأعداد أقل. وحدث في عصر مبارك. وكذلك كوننا نعيش في مجتمع عنيف جنسياً، فإنّه يحدث ذلك يومياً. وكنتيجة تضامنت العديد من دول العالم مع «متظاهرات مصر»، لا «نساء مصر».
وعندما يوجَّه الخطاب إلى الإعلام والسلطة، تنعدم حدة الراديكالية للناشطات ثم تتجلى بجمال في الجلسات الصغيرة للدوائر الناشطة. فعند ذكر الحقوق الجسدية والجنسية، يتلخص الأمر في أنّ ختان الإناث جريمة، ولا أعتقد أنّه طُرح قبلاً حق التصرف في الجسد؛ كالإجهاض أو توجه الميول الجنسية. وعندما يأتي الحوار على العنف الجنسي، يُكتَفى بالعنف الموجه إلى المرأة، كالضرب والتحرش الجنسي، ويُتجاهَل الاغتصاب الزوجي مثلاً. لا يتحسن وضع المرأة في مصر، لا سياسياً ولا اجتماعياً. فمثلاً، تجري حالياً مناهضة الحركات الإسلامية المتشددة كالحكومة الإخوانية والتيار السلفي، لكنّ العبث يتجلى عندما نرى ناشطات وناشطين يعرفون أنفسهم كعلمانيين يريدون دولة مدنية، ويدعون إلى الدين الوسطي ــ الإسلامي بالطبع ــ فيدعون مؤسسة الأزهر إلى مساندتهم، متجاهلين أنّ أيديولوجية تلك المؤسسة أنّها مع مساواة المرأة، لكن بالطبع بما لا يخالف شرع الله. كرؤية شخصية، النسوية تعني عملية حياتية مستمرة لا درساً مسلَّماً به يؤخذ ويعاد ويكرر ورؤيتنا الشخصية تختلف اعتماداً على تجاربنا الحياتية. وبالطبع، هي عملية تحررية من السلطة أياً كانت. فرؤية مجتمعات صغيرة تحمل نفس مساوئ المجتمع العام، تسبّب تعاسة غير عادية. فلماذا نريد دائماً القائد الـ«سوبر ستار»، ونعمل على التأليه والاتباع لنصبح «زومبي»، كائنات يشبه بعضها بعضاً وتتبع نفس الخطاب. ومع الوقت، تنفصل عن الواقع. تُتَجاهَل المشاكل، ولا نُنتقَد، ونعلن على الملأ بأنّ التنوع هو المفعل الأساسي للاستمرار، لكن لا يُطبق هذا. تصبح الدوائر صغيرة تشمل أناساً متشابهين تماماً لمجرد الانتماء إلى الحركة.
Related News
- "الإداري" ينظر دعوى تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة أوائل مارس
- التكنولوجيا والإنترنت ساعدا منظمات حقوق المرأة في مواجهة العنف
- توصيات إلى مجلس نقابة الصحفيين لضمان تمثيل الصحفيات في مواقع صنع القرار وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص
- قرار جمهوري بسحب تحفظ مصر على تحديد السن الأدنى للزواج بـ 18 عامً
- لا تسجنوا الأمل