مصر:نهاد أبو القمصان:أحكام دفن الموتى فى دستور الثورة

المصدر: 
الوطن

المتابع لمسار كتابة الدستور يجد أننا فى فوضى قانونية عظيمة، فاللجنة التى من المفترض أن تكتب الدستور يضربها غياب الشرعية من كل اتجاه، فقد استمدت أساس شرعيتها من مجلس شعب حكم ببطلانه، وهيمن عليها تيار واحد لم نعد نسمع أصواتا معتدلة فيه، وتم تعيين ما يقرب من ثلث المتبقين من أعضائها فى مناصب تنفيذية، ليختتم المشهد بحكم الإحالة إلى الدستورية الأمر الذى يوجب وقفا تعليقيا لأعمال اللجنة لحين انتهاء الدستورية من دراسة القضية وإصدار الحكم حتى لا يجد الشعب نفسه مختطفا كدروع بشرية فى مواجهة حكم الدستورية فى إطار عملية ما يسمى «الدعوة لاستفتاء على دستور منعدم بحكم بطلان اللجنة المؤسسة له»، ولا يزال العمل ساريا باندفاع أشبه بقطار خرج عن القضبان ولم يعد ممكنا التحكم فى مساره، والركاب بالداخل منهمكون فى النقاش ويصر فريق على أن يسوق لنا أن الأزمة لا تتعدى خلافا على عدد محدود من المواد، وفريق آخر يمارس أساليب التهديد بالإرهاب والقمع حول معركة مفتعلة اسمها التمسك بالشريعة وينذرنا بأنهار من الدم وكأننا نختلف على حذف المادة الثانية ولم يتم التوافق على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.

وفى ظل هذا المشهد تظل المادة 68 فيما يسمى «مسودة الدستور» أم المعارك للتيار الدينى الذى يقبل التضحية بكل شىء إلا اعتبار النساء متساويات مع الرجال على خلاف مع نصوص القرآن نفسه الذى أكد فى العديد من الآيات المساواة بينهما،فى التكاليف والثواب والعقاب والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والمادة 68 هى مادة مستنسخة من المادة 11 من دستور 1971 الذى ثار ضده المصريون وأسقطوه، لكن هذا الفريق فى إطار ما يعتبره تنازلا منه أو توافقا يريد إعادة المادة 11 مرة أخرة بدلا من المادة 68 إذا تطلب الأمر وهو أمر لا عجب فيه، فهو الفريق الذى أفتى أن الثورة إثم وخروج عن الحاكم ومن ثم لا غضاضة فى عودة المادة 11 أو حتى عودة مبارك نفسه، المهم ألا تعامل المرأة باعتبارها مواطنا.

وقدم لنا هذا الفريق ما يدعم إصراره هذا بالحرص على عدم المساس بأحكام الإرث والأحوال الشخصية، ورغم أن المادة الثانية تكفى، قدم دعاة التوافق فى اللجنة تصور أن تفصل اللجنة المادة لتخص هذين الأمرين بكلمة أحكام دون باقى النص ويكون حلا وسطا يريح الجميع، لكن ظل فريق أم المعارك لديه العديد من الأشياء التى تعيق المساواة، أهمها اختلاف أحكام الغسل والدفن بين النساء والرجال ومن ثم لا بد أن يتضمن الدستور هذه الفروق الجوهرية وألا يمكن أن نسمح لامرأة أن تغسل رجلا أو العكس.

رحم الله الفنان العبقرى محمود مختار الذى جسد مصر فى صورة امرأة فى تمثاله نهضة مصر، لم يكن يدرك أن من استوعب الرسالة هو من يجعل المرأة أم معاركه، وأن الثورة قطعا ستنهزم إذا ظل الثوار يعتقدون أن قضايا المرأة قضايا «ستات».