مصر:نوال السعداوي:الدماء الحمراء ونحيب الأمهات
تتمخض النكبات والكوارث في حياتنا, أو ما تسمي أحيانا أحداث مؤسفة' عن أمهات فقيرات ينتحبن علي دماء أولادهن المراقة , تشرب الارض الدماء, ترتدي النساء الحداد, ثم تخلعه أولا تخلعه, وتتكرر الأحداث, تعود الأمهات المنكوبات الي النحيب, وتشرب الأرض الدماء. ألم تفجر هذه المراقة الجديدة في مصر وغزة الوعي'' في دماغ النخب المفكرة والشعب؟ ألم تربط الأدمغة المصرية بين هذه الأربعة: أسلحة الملك فاروق الفاسدة, ونكبة فلسطين عام1948, والاستعمار البريطاني, ومشروع الخلافة الاسلامية اليوم والقرن الماضي؟
لماذا تفصل الأدمغة المصرية بين الماضي والحاضر والمستقبل؟لماذا لا تربط بين التحالف غير المقدس بين لابسي القبعات والبرانيط ولابسي العمائم والعقالات والجلاليب؟ أم أن النخب المفكرة هي النخب في كل عهد, فقط تتغير الوجوه والأسماء أو الألقاب, من الأفندي الي البك والباشا والفريق والرفيق, الي الشيخ الجليل وصاحب الفضيلة, من الطربوش الي القبعة والكاسكيت والطاقية والعمامة البيضاء أو الحمراء أو السوداء, هذا النظام المحلي العالمي العسكري البوليسي, الطبقي الأبوي, الفكري الاعلامي, هذا النظام القديم الجديد المتجدد عبر القرون والعقود, لا يتغير فيه إلا الشكل أو الاسم أو الوجه الظاهر في الاعلام, من صاحب الجلالة الملك الي المندوب السامي من لندن ومن فخامة الرئيس المعظم الي الأخ في الاسلام والجهاد
ومن الرئيس المنتخب مندوب الله علي الأرض الي مندوبة واشنطن في البيت الأبيض. هذا النظام لا يروح ضحيته النخب المفكرة الراسخة في جسد النظام, يتوارث الأبناء عن الآباء الأقلام المراوغة والاعمدة والمقالات المنافقة والمناصب في الجامعات واللجان العليا والمؤسسات, اللجنة التأسيسية والدستورية ولعبة البرلمان الانتخابات. لا يذهب ضحية هذا النظام الا الفقراء من الجنود المجهولين والأمهات المنكوبات, ولا يربط الشعب المسلوب الوعي بين النكبات, ولا تتمتع النخب المصرية بهذا الوعي التاريخي المترابط, أو الفكر الخلاق الذي يربط بين الأحداث العامة والخاصة في حياتهم
ما هو الفكر المبدع, ألا هذه القدرة علي تجاوز التعليم الحكومي النظامي العقيم, والربط بين الأشياء التي تبدو غير مترابطة, علي مدي العشرين عاما الماضية كنت أقوم بتدريس مادة الابداع في جامعات العالم, الا الجامعات المصرية..وكان لسان البعض يقول ابداع ايه والشعب فقير وجعان؟ تحرير نساء ايه والشعب فقير وجعان؟. هذا منطق النخب المصرية المراوغة من كل الأيديولوجيات السياسية والدينية, بحجة علاج الفقر يهربون من تطبيق العدالة الاجتماعية الحقيقية: حرية النساء وحرية الفكر والتعليم والثقافة
ولا يخوضون في المحرمات أو المحظورات, لا يطرحون الأسئلة الحرجة مثل: ما علاقة الدماء المراقة اليوم(آواخر نوفمبر2012) في شارع محمد محمود, والدماء التي أريقت تحت حكم مبارك في ثورة يناير وفبراير2011 ؟ ما الفرق بين قرض صندوق النقد والمعونة الأمريكية في عهود السادات ومبارك ومرسي؟ مالفرق بين تصريحات أوباما وهيلاري كلينتون عن مذابح غزة عام2008 وعام2012 ؟ تنفخ أبواق أوباما بهذه التصريحات: اسرائيل لها الحق كل الحق في الدفاع عن وجودها بكل ما تملك من سلاح, اسرائيل هي ضحية الارهاب الفلسطيني وليست هي القوة المسلحة المحتلة لأراضي فلسطين, ما الفرق بين رصاص شرطة مبارك, في فبراير2011, ورصاص شرطة مرسي في نوفمبر2012 ؟ ماذا يقول الاعلام الحكومي في عهد مرسي؟ ما الفرق بين نخبة مبارك ونخبة مرسي من الصحفيين والمفكرين والاعلاميين؟
تمخضت الثورة المصرية التي أريقت فيها دماء الآلاف من الشباب, وحرم الآلاف من نور عيونهم, عن هذا الوضع المؤلم الحزين في الفكر والسياسة والاقتصاد والثقافة والأخلاق والتعليم؟
لا ينفصل أحدها عن الآخر في الحياة اليومية العامة والخاصة, يتشدقون بالعدالة الاجتماعية طول الوقت, في كتاباتهم وخطبهم, ثم يكرسون الظلم الاجتماعي في بنود الدستور والقانون والشريعة, وقد تخلصنا من حكم فاسد مستبد ظالم مخادع لنسقط تحت حكم لا يقل سوءا واستبدادا وخداعا وظلما
لم نتعلم دروس التاريخ, لم ندرس ماذا فعل الحكم الديني, مسيحي أو يهودي أو إسلامي بالشعوب,كيف سحل الفقراء والأطفال والنساء تحت اسم أمر الله, كيف تعاون مع الغزاة الأعداء وضرب الأصدقاء والأهل؟ يكرر التاريخ نفسه, تعمي عنه العقول المحجبة والعيون المغشاة بالخوف من عقاب الرئيس أو الرب. وقد قامت الثورة2011 لخلع نظام أفقر مصر وكبلها بالقروض والديون والقوانين العامة والخاصة المزدوجة الظالمة, أهدر كرامتها تحت سيطرة الاستعمار الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي, وأخضع البنات والنساء لاستبداد الآباء والازواج.
لقد طالب الشعب المصري في ثورته بنظام جديد يقوم علي العدل والحرية والكرامة للجميع دون تفرقة علي أساس النوع أو الجنس أو العرق, أو الدين أو الطبقة. نجحت الثورة وسقط النظام, واحتفل الشعب بالنجاح وعاد الي بيوته, فانقضت علي الثورة جماعات غربية يغطي وجوه رجالها شعر أسود كثيف ويغطي وجوه نسائها نقاب أسود سميك استبدلوا علم مصر بعلم أسود يحمل اسم الله. أما دماء الشباب المراقة برصاص النظام القديم والجديد, فهي كما هي دائما حمراء اللون, وحداد الأمهات المنكوبات هو دائما أسود بلون القهر
Related News
- "الإداري" ينظر دعوى تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة أوائل مارس
- التكنولوجيا والإنترنت ساعدا منظمات حقوق المرأة في مواجهة العنف
- توصيات إلى مجلس نقابة الصحفيين لضمان تمثيل الصحفيات في مواقع صنع القرار وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص
- قرار جمهوري بسحب تحفظ مصر على تحديد السن الأدنى للزواج بـ 18 عامً
- لا تسجنوا الأمل