النساء والثورة السورية
أحضرونا بالباص، كنا مجموعة كبيرة من الرفيقات والرفاق، أذكر أن أيدينا كانت مقيدة بالأغلال، تملكني الخوف من الوصول إلى ذلك المكان، والتحقيق المتوقع، ومن مقابلة مضر الذي كنت أتوقع وجوده هناك، ورؤية كل الرفاق. اعترتني مجموعة مختلطة من المشاعر من الخوف والترقب والرغبة… ولكن كل شيء اختفى في طريقنا عندما بدأت بالاقتراب من المدينة التي أحببتها وما زلت، لم أشعر بطول الطريق أو بالوقت الذي مر… دمشق كانت تلوح في الأفق أمامنا.
(العضوة في حزب العمل الشيوعي، والمعتقلة في سجن دوما بين عامي ١٩٨٧- ١٩٩١، أميرة حويجة).
تحاول هذه الورقة تقديم لمحة عامة عن دور النساء في الثورة السورية في محاولة لتسليط الضوء على زوايا لم تشملها تغطية وسائل الإعلام، العربية والأجنبية على حد سواء، كما أن ذلك لم ينعكس على المعارضة السياسية السورية في الخارج. حيث بدلاً من ذلك استثنت النساء، بشكل منهجي، من المشاركة السياسية في هذه المرحلة التاريخية. كما فشلت في إعطاء النساء والشباب التمثيل ضمن صفوفها، سواء في المجالس المحلية أو ضمن الائتلاف الوطني السوري. هذه الورقة هي محاولة لتسليط الضوء على الدور الأساسي الذي لعبته النساء ضمن مراحل هذه الثورة، وكيف أن هذا الدور قد تغير بسبب تزايد العنف والتطورات السريعة على الأرض.
لا حقوق سياسية، لا حقوق للمرأة
دراسة وضع النساء في سوريا، سواء كان اليوم أو قبل اندلاع الثورة، من دون الأخذ بعين الاعتبار البنية السياسية للنظام التي استندت إلى أجهزة المخابرات وغيرها من الأجهزة الأمنية المتخفية، هو طريق خاطئ لفهم كيف أن حقوق المرأة تأثرت مباشرة من سياسات النظام الداخلية.
كامرأة عشت معظم فترة رشدي في سوريا، لم أكن أن أتجرأ على تأسيس مجلة نسائية، على سبيل المثال، داخل جامعتي، من دون إشراف مؤسسة حكومية. وكان لحزب البعث الحاكم اتحادا وطنيا للطلبة زُرِعَ فرعٌ له في كل جامعة، الذي لم يكتفِ باختطاف أي مبادرة طلابية مستقلة جريئة، إنما هو أيضاً جسماً مخابراتياً يراقب عن كثب أي طالب يحاول حشد التأييد أو تنظيم نشاط يتعلق، على سبيل المثال، بالحرب على العراق أو بالقضية الفلسطينية، على الرغم من أن النظام يتفاخر بأنه المدافع الوحيد عن الحقوق الفلسطينية ويهاجم باستمرار الغزو الأميركي للعراق. والنظام يدرك جيداً، أن أي مبادرة مرتجلة، حتى لو كانت تتعلق بفلسطين أو العراق، قد تمهد الطريق أمام التحشيد وتنظيم مجموعات نشطة.
وأود تذكير القارئ/ة بأننا نتحدث عن نظام يمتلك ويحتل المساحة العامة، وكل ما يتعلق بذلك، منذ أكثر من أربعين سنة. تربى المواطنون على عدم المبادرة، أو التفكير أو حتى التجرؤ على التفكير باسقاط النظام، المترسخ على المستويات السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية. دون أن ننسى أيضاً، أن النظام قد زرع الخوف في قلوب المواطنين/ات بفعل المجازر التي ارتكبها، مثل مجزرة حماه عام ١٩٨٢، فضلاً عن اعتقال العديد من المثقفين، اليساريين والإسلاميين، السوريين والفلسطينيين، حيث استمر سجن المعارضين لأكثر من ٢٠ عاماً، الذين حرموا من زيارة المحامين أو عائلاتهم. لذا على المرء أن يكون واضحاً، أن العقبة الرئيسية أمام تأمين وتعزيز حقوق المرأة في سوريا، هي الديمقراطية بكل بساطة. الفشل في دعم الثورات الشعبية، على المستوى الرسمي أو على مستوى منظمات حقوق الإنسان، هو في الواقع دليلاً واضحاً على دعم انتهاكات حقوق الإنسان بالمجمل، وليس فقط انتهاكاً لحقوق النساء.
السياسي والبطريركي
النظام يتفاخر ببطولته بتحقيق حقوق النساء في سوريا في حين تبرز العديد من الأمثلة التي تفضح نفاقه. على سبيل المثال، عزز نظام بشار الأسد من حلفه مع الطبقة البرجوازية المحافظة، النساء القبيسيات في سوريا، حيث وبحسب جريدة الحياة، أدى إلى بناء ٨٠ مدرسة في دمشق لوحدها التي تستضيف أكثر من ٧٥ ألف تلميذة. ومن الأمثلة الأخرى، فشله في إصلاح قوانين الأحوال الشخصية وإصراره على تعيين وزيرات في مواقع غير مؤثرة. ومن الأمثلة النموذجية، التي يمكن إبرازها، عن حصول التقاطع في التصدي لجماعات حقوق الإنسان، عوضاً عن التصدي للانتهاكات نفسها، يبرز ذلك من خلال الاطلاع على المؤسسة الحكومية، الاتحاد العام النسائي. هذا الاتحاد، على سبيل المثال، لم يناصر مسألة وطنية ملحة تسمى بـ"جرائم الشرف"، ولم يطالب برفع مدة العقوبة الواردة البالغة ستة أشهر من المادة ٥٤٨ من قانون العقوبات - والمستمدة من قانون العقوبات الفرنسي الصادر عام ١٨١٠، العديد من الفتيات قتلن باسم "الشرف" بناء على هذه المادة. وللسخرية، وبعد اندلاع الثورة في تونس ومصر عام ٢٠١١، أصدر بشار الأسد نفسه مرسوماً تشريعياً في العام نفسه، رفع بموجبه العقوبة بحق القاتل إلى خمس سنوات سجن.
وقد اعتبر العديد من السوريين/ات المقربين/ات مني هذا المرسوم بأنه محاولة مثيرة للشفقة لكونه يحاول إظهار نفسه حامياً ومنقذاً لمصالح النساء، خاصة لأنه يتعلق بأمر عزيز على قلب الغرب، النساء.
لأن التغيير في سوريا يمكن أن يحدث ولكن من خلال النظام الحاكم، وخاصة عبر الرئيس والدوائر المقربة منه، مستبعداً بالتالي الشعب من حقه في تقرير المصير.
الثورة والمساحات الجديدة
من المهم دائماً تذكير القارئ، أن أول من تجرأ على المطالبة بتنحي بشار الأسد كان في الواقع امرأة، من المذهب الدرزي. منتهى الأطرش، ابنة سلطان الأطرش، قائد "الثورة السورية الكبرى" عام ١٩٢٥. ففي ١٢ نيسان عام ٢٠١١، في وقت كانت المظاهرات في سوريا تطالب بشكل أساسي بتحقيق الإصلاحات وليس بإسقاط النظام، دعت الأطرش، في اتصال هاتفي مع صحيفة جريدة الشرق الأوسط، بشار الأسد إلى التنحي استجابة للتظاهرات السلمية.
عام ٢٠١١، كانت رزان زيتونة من بين العديد من الناس، إحدى المصادر الرئيسية لآخر الأخبار المتعلقة بالتظاهرات في دمشق وضواحيها. بدأت النساء بالخروج إلى الشوارع إلى جانب الرجال، حيث تعرضوا للاعتقال نتيجة ذلك. ضحى حسن، التي هي من أصل فلسطيني، ومروى الغميان، وهنادي زحلوط، وريما فليحان، ومي سكاف، ولينا محمد والعديد من السوريات اللواتي لن أذكر أسمائهن لحمايتهن. من المهم أن أؤكد هنا، أنه على الرغم من أن الرجال كانوا مستهدفين من النظام أكثر من النساء خلال حملات الاعتقال، ولكن أن تعتقل النساء هو أصعب من الرجال. وعلى الرغم من أن النساء يتعرضن لتعذيب أقل من ذلك الذي يتعرض له الرجال، إلا أن اعتقال النساء كان يفرض عليهن وصمة اجتماعية فضلاً عن قضية الاعتداء الجنسي.
في الوقت المناسب، بدأت النساء بتنظيم أنفسهن ضمن مجموعات نسائية، مثل مجموعة نساء سوريات لدعم الانتفاضة السورية، حيث كان لي الشرف الالتقاء باثنين من أعضائها. وكان النشاط الرئيسي لهذه المجموعة يتمحور حول دعم عائلات الشهداء والمعتقلين.
في وقت لاحق توسع نشاط هذه المجموعة بهدف دعم الناشطين على مستوى القاعدة الذين فقدوا وظائفهم بسبب مواقفهم السياسية، أو أرغموا على التخفي بعد أن علموا بأنهم مطلوبين للنظام. حيث كان الأخير يعتقل الناس من مراكز عملها. وكانت تعمل المجموعة على جمع التبرعات من المحيطين بها وتدعم الناشطين العاملين في المجال الإغاثي والإعلامي وتأمين الأدوية.
لم يكن العديد من المجموعات منظماً كما هو الحال مع مجموعة نساء لدعم الانتفاضة السورية. في الواقع، إن الأخيرة ناجحة لأنها حددت رؤيتها وأهدافها ونشاطاتها، وذلك لأن أعضائها أكبر سناً وبالتالي أكثر خبرة في التنظيم. وخلافاً لمجموعات شبابية متحمسة أخرى، التي اختفت مع الوقت لأنها لم تستطع المحافظة على نشاطاتها، حاولت مجموعة "نساء سوريات..." الحفاظ على عملها على الرغم من الرقابة الأمنية اللصيقة. ومع ذلك، إن ظهور هذه المجموعات، ومن ضمنها مجموعة "نساء سوريات لدعم الانتفاضة السورية، لم يكن ممكناً من دون الثورة والمساحة التي خلقتها للمواطنين الذين حرموا من الحق في التنظيم - ما عدا تلك السرية- على مدى السنوات الأربعين الماضية.
ولتقديم مثال آخر، إن معظم الأحياء التي ثارت ضد النظام كانت في الأرياف وتسكنها الطبقة العاملة. وهي مناطق محافظة حيث يمكن للنساء فيها العمل مع "رجل غريب" عنهن إذا كن طبيبات أو ممرضات أو نساء مسنات. محجبات وغير محجبات، جاءت الناشطات من مختلف الطوائف والمذاهب، وحتى منهن من الطبقة الغنية، جئن للعمل يداً بيد مع قادة الطبقة العاملة من الرجال من أجل: تنظيم المظاهرات، وتحضير اللافتات، والكتابة على اللافتات ورسم الأعلام (كان كل ذلك عملاً يدوياً)، وتأمين الأدوية وبعض التجهيزات كالهواتف الذكية والموصولة على خدمة انترنت الجيل الثالث.
هذا التفاعل الاجتماعي، البعيد عن العلاقة الزبائنية مع مؤسسات الدولة، ساهم في تغيير وتوضيح بعض الصور النمطية ضمن تلك المجتمعات. وقد حصل تفاعل شبيه بين الفلسطينيين والسوريين خلال الثورة. فمخيم اليرموك في عام ٢٠١٢ المضيف الرئيسي للعائلات المهجرة داخل سوريا، كان نقطة حيوية لتأمين الاحتياجات الطبية للمدن المجاورة. وأذكر جيدا امرأة فلسطينية كانت تقدم دروساً في الاسعافات الأولية في حال تعرض المخيم للحصار. في الواقع، الثورة هي التي وفرت المساحة المشتركة للمواطنين/ات، من جنسيات مختلفة، ومن مجموعات عرقية متعددة، ومن خلفيات اقتصادية واجتماعية متنوعة للتوحد، والتفاعل فيما بينها بهدف تنظيم حركة شعبية لمواجهة عدو مشترك واحد هو: النظام.
ومع ذلك، هذه المساحات المشتركة التي ظهرت خلال أول عامين من الثورة، بدأت بالتقلص تدريجياً مع زيادة وحشية النظام ضد الشعب الأمر الذي أدى أيضاً إلى عسكرة الثورة. الثوريات اللواتي عملن على الجبهة السلمية وغير العنفية، بدأن يواجهن واقعاً جديداً هو الحرب. وبالتالي أنتجت النساء تقنيات أخرى للرد وللحفاظ على صوت حر الذي استعادوه ضمن وبسبب الثورة.
الجبهة الثورية المعسكرة ودور المرأة
عام ٢٠١٢، برأيي، بلغ فيه دور النساء في الثورة إلى ذروته. وبسبب المداهمات والاعتقالات التي شنها النظام بطريقة منهجية ضد الثوار السلميين وخاصة الرجال منهم، نظمت النساء الثوريات أنفسهن ضمن خلايا لملء الفجوة واستغللن جيداً النظرة المتحيزة جنسياً ضدهن بأنهن "الجنس الأضعف" لاجتياز حواجز النظام من أجل تهريب الأدوية، والغذاء والمسعفين إلى المناطق المحاصرة والمستهدفة بالقصف. كما أن الثوريات من الأقليات استخدمن صفتهن الطائفية على حواجز النظام من أجل تهريب المساعدات إلى الأحياء المحاصرة. في الوقت المناسب، اكتشفت بعض الحواجز بعض هذه الشبكات وبدأت تدقق بالهويات وبتفتيش السيارات التي تقودها امرأة غير محجبة ومن الأقليات حتى اليوم.
ذروة نشاط المرأة تمحور على الاستمرار بعمليات الإغاثة، من بين نشاطات أخرى، في دمشق وضواحيها المحاصرة عام ٢٠١٢، بدأ ذلك بالتراجع عام ٢٠١٣ مع ازدياد وحشية النظام وارتكاب المجازر والضعف في الرأسمال البشري بين الثوار للاستجابة للأزمة الإنسانية. وتبعاً لذلك، ساد اعتقاد بين الشباب، حتى بين السلميين منهم، أن الطريقة الوحيدة لإسقاط النظام هو مع زيادة التسلح، الذي لعب دوراً كبيراً في تقوية الجبهة العسكرية داخل الثورة. هذا التطور أثر مباشرة على دور المرأة في الثورة.
الثوريات اللواتي اعتدن على زيارة مدن أخرى لتدريب العاملين الهواة في مجال الإعلام ولتغطية القضايا الإنسانية التي لا يحكى عنها، يواجهن المزيد من العقبات، إلى جانب قصف النظام وحواجزه، إلى مواجهة في مناطق أخرى، بأغلبها محاصرة ومستهدفة بالقصف، مع المساحة التي يهمين عليها الذكور. حتى ذلك الوقت، تمكنت النساء من السكان المحليين أو المقيمات في المناطق "المحررة" من الاستمرار في هذه المساحة التي يسيطر عليها الذكور عبر فرض حضورهن. كالمدونة مارسيل شحوارو في حلب، وزران زيتونة وسميرة خليل في دوما، والعديد من الناشطات اللواتي لن أذكر أسمائهن حفاظاً على سلامتهن. مجرد وجود هذه النساء وعلمهن في هذه المناطق يفرض تحدياً للهيمنة الذكورية المتزايدة والمتطورة خلال الحرب. تدخل النساء في ديناميات الحرب هو واضح وعلى قدم المساواة مع النساء المحليات في المناطق المحررة مثل أم خالد في كفرنبل وفي الغوطة الشرقية. أم خالد أسست المركز الأول للنساء ليس فقط في كفرنبل إنما أيضاً في إدلب. سمي هذا المركز مزايا وقد أسس لتلبية حاجات المرأة المتزايدة في كفرنبل للالتقاء ونقاش أوضاعهن في الحرب. يقدم المركز ورشات عمل تدريبية مجانية في الاسعافات الأولية، وتصفيف الشعر، والحياكة ودروساً في اللغة الانكليزية. يملك المركز مكتبة ضخمة لإعارة الكتب للنساء. مرة أخرى، تقدم أم خالد مثالاً واضحاً عن كيف أن النساء المحليات يستطعن التعبير عن أنفسهن ضمن المساحات العامة التي خلقتها الثورة. وعلى الرغم من العسكرة وتزايد هيمنة الذكور، لا تزال النساء قادرات على استعادة صوتها ودورها الذي سرق منذ فترة طويلة من قبل النظام.
رزان زيتونة: مأسسة حقوق الإنسان
الانطباع الذي يحصل عليه المرء من خلال متابعة وسائل الإعلام المهيمنة للمرأة السورية اليوم، يمكن ملاحظة التالي: توصف النساء بأنهن أو "مغتصبات" أو "تعرضن لاعتداء جنسي" أو "مهجرات". ضرورة توثيق كل نوع من الانتهاكات المرتكبة ضد المواطنين/ات، ليست موضع شك. ولكن عدم وجود جهد مماثل، في تصوير النساء في سوريا على أرض الواقع كمشاركات نشيطات في الثورة كالكاتبات والمحاميات في مجال حقوق الإنسان، والطبيبات والمعلمات والسياسيات، وهن بأعداد كبيرة، هو أمر مشكوك به، خصوصاً لأن هذه الصورة المصنوعة عن السورية لم تتغير على مدى السنوات الثلاث الماضية.
رزان زيتونة هو الاسم الذي أصبح أكثر شهرة خلال السنوات الثلاث الماضية، زيتونة لا تزال، حتى اللحظة، مخطوفة من قبل مجموعة مسلحة مجهولة في دوما مع زوجها، وائل حمادة، إلى جانب زميليها في مركز توثيق الانتهاكات، سميرة خليل وناظم حمادي. زيتونة شاركت في تأسيس لجان التنسيق المحلية، وكالة أنباء علمانية ثورية ظهرت عام ٢٠١١ لاطلاع العالم على أخبار الاحتجاجات الواسعة في كل أنحاء سوريا. أهمية هذه اللجان أنها تكونت من النساء بشكل رئيسي، ولكونها شبه منظمة ثورية أطلقت شبكة مهنية إلى حد ما، ذات مصداقية ومستدامة ونقلت عنها وسائل الإعلام الأجنبية والإقليمية الأخبار. زيتونة ساهمت في تأسيس مركز توثيق الانتهاكات الجهة الوحيدة داخل سوريا توثق الشهداء والمعتقلين والمدنيين المختطفين فضلاً عن توثيق الانتهاكات المرتكبة من جميع الجماعات المسلحة إلى جانب جيش النظام.
كمحامية، دافعت زيتونة عن السجناء السياسيين تحت حكم الأسدين، الأب والابن، لأكثر من ١٠ سنوات. التقيت بها مرة واحدة عندما كانت في طريقها لزيارة عائلة سجين سياسي عام ٢٠١٠. لم يتجرأ العديد من المحامين سلوك مسار زيتونة خوفاً من عواقب النظام. وقد اعتادت على زيارة عائلات المعتقلين، والدفاع عنهم في المحاكم التي لم يتجرأ الكثير من السوريين على المشاركة فيها. زيتونة أصدرت البيانات العلنية التي تحدثت عن أوضاع المعتقلين في ظل غياب الشفافية ضمن الجهاز القضائي السوري. عام ٢٠٠٢، منعت زيتونة من السفر، وتلقت العديد من التهديدات من الأجهزة الأمنية بسبب عملها في مجال حقوق الإنسان لمدة طويلة قبل اندلاع الثورة. زيتونة عملت متخفية لمدة سنتين في دمشق، وغيرت مكان سكنها مرارا، حتى تستقر بعد ذلك في "منطقة محررة" في دوما، إلا أنه جرى خطفها مع زملائها على يد مجموعة مسلحة هناك، أيضاً بسبب عملها في مجال حقوق الإنسان.
على الرغم من أن العيش تحت تهديد القصف المستمر، وبعد نجاتها ورفاقها من الهجوم الكيمائي، وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية التي واجهتها زيتونة خلال تخفيها لمدة سنتين كاملتين، كانت جهود زيتونة في المشاركة في تأسيس لجان التنسيق المحلية، وكالة الأنباء ذات المصداقية، ومركز توثيق الانتهاكات بحق حقوق الإنسان بالإضافة إلى مشاركتها في تأسيس مجموعات أخرى داخل دوما لدعم النساء المحليات ولتأمين فرص العمل للمواطنين هناك، كل ذلك هي محاولات لمأسسة العمل الثوري في سوريا من خلال نتائج مستدامة ومهنية. زيتونة المحامية صاحبة الخبرة في مجال حقوق الإنسان نظراً لعملها قبل الثورة، فهمت جيداً أنه من أجل الوصول ببلدها إلى حالة بناء السلام والعدالة الانتقالية، يجب توثيق بشفافية ما يحدث لإعادة بناء الدولة في المستقبل. على الرغم من اختطاف زيتونة اليوم، عمل لجان التنسيق المحلية ومركز توثيق الانتهاكات ما زال مستمراً. وهذا بفعل نتيجة جهودها، إلى جانب غيرها، الرامية إلى خلق مؤسسات غير مركزية عوضاً عن إنشاء مؤسسات مركزية تحت إشرافها الوحيد. هذه الجهود هي نادرة بين المجموعات الثورية اليوم.
خلاصة
أخيراً، حاولت هذه الورقة تقديم نظرة إجمالية عن دور النساء في الثورة مع الأخذ بعين الاعتبار الدور السياسي التاريخي للعقبات التي واجهت النساء والرجال على حد سواء. هذه الورقة تعرض نقاط التحول الأساسية لتطور الثورة السورية وتأثيرها على دور النساء. هذه الورقة لا تطمح إلى تغطية كاملة لمجمل عمل النساء في سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية. أنا من ضمن الكثير من النساء في سوريا اللواتي لديهن وجهات نظر مختلفة حول الموضوع. آمل أن تعطى الفرصة لزميلاتي ورفيقاتي للتعبير عن مواقفهن أيضاً.
لكاتب/ة: رزان غزّاوي.
ترجمه/ته الى العربية: وليد ضو