مُعارِضات للسلطة دفعنَ ثمن المطالبة بالحرية: قصص من خمس دول عربية

المصدر: 
رصيف ٢٢

أفرزت انتفاضات الربيع العربي أصواتاً جديدة تركت أثراً كبيراً في المشهدين السياسي والحقوقي، خاصة في صفوف النساء. وهنا نقدّم خمس شخصيات نسائية أظهرت نضالاتهن عمق الأزمة بين المعارضة والأنظمة العربية الحاكمة، فدفعن ثمن المطالبة بالحرية، علماً أنه إلى هؤلاء الخمسة، هنالك آلاف المناضلات، بعضهنّ سمعنا به وبعضهنّ عمل خلف الكواليس.

 

ماهينور المصري

"ست البنات"، لقب اشتهرت به الناشطة والمحامية المصرية ماهينور المصري المولودة في مدينة الإسكندرية سنة 1986. عُرفت ماهينور بنضالها من أجل المعتقلين السياسيين والحقوقيين والمواطنين العاديين الذين يتعرضون لظلم السلطة، وكان همها الشاغل مناصرتهم ومحاولة المساعدة في دفع كفالاتهم. هذه الشابة الناشطة في حركة الاشتراكيين الثوريين اليسارية كان لها دور مهم في ثورة 25 يناير، وكانت في طليعة الناشطين الذين كشفوا للرأي العام قضية المواطن المصري خالد سعيد عام 2010. فقد شاركت في أول وقفة للتنديد بقتله والمطالبة بمعاقبة الجناة، أمام قسم سيدي جابر في الإسكندرية. وتعتبر قضية خالد سعيد من أهم بواعث انتفاضة الشعب المصري ضد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

نضال ماهينور لم يتوقف بعد سقوط النظام، فقد نشطت ضد حكم الرئيس محمد مرسي، واعترضت على القمع وتكميم الأفواه بعد سقوط الإخوان مطالبةً باستكمال الثورة، وهذا ما أدى إلى دخولها السجن بتهمة خرق قانون التظاهر السيئ السمعة. وقد أفرج عنها قبل أن تنهي مدة حكمها، بعدما قضت محكمة استئناف الإسكندرية، بقبول استشكال هيئة الدفاع، وبوقف تنفيذ الحكم بحبسها 6 أشهر، ودفع غرامة 50 ألف جنيه، إلى حين بت النقض.

 

ولم تتوقف المضايقات بعد ذلك. فأعيدت إلى سجن دمنهور بعد أن قررت محكمة استئناف الإسكندرية حبسها على ذمة قضية قسم الرمل بتهمة التعدي على الأمن، وفي 31 مايو 2015، صدر حكم بسجنها 15 شهراً.

 

 في عهد مبارك، كانت ماهينور قد أوقفت مرات عدّة. واليوم صار صوتها ونشاطها مصدر إلهام للكثيرين. وقد حصدت العديد من التكريمات الدولية، مثل جائزة لودوفيك تريو، وهي جائزة دولية سنوية تكرّم محامين لجهودهم في الدفاع عن احترام حقوق الإنسان.

 

زينب الخواجة

هي مناضلة بنت مناضل. عرفها الجمهور من خلال حسابها المستعار على موقع تويتر، "العربية الغاضبة"، وتغريداتها عن الأوضاع السياسية والقمع في البحرين التي زارتها سنة 2011 رياح الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية، فواجه النظام المعارضين بقمع شديد، مدعوماً من الأنظمة الخليجية وفي ظل صمت دولي وتجاهل إعلامي عربي وعالمي.

 

وبعد اعتقال والدها الناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة (هو الاَن في السجن بعد أن حكم عليه بالمؤبد لمطالبته بإصلاحات سياسية في بلده)، دخلت زينب في إضراب عن الطعام مطالبةً بإطلاق سراحه، وأعلنت مرحلة جديدة من النضال، وهذا ما عرّضها للتوقيف من قبل الأمن البحريني أكثر من مرة. وقد أصدر القضاء البحريني عام 2014 حكماً بسجنها ثلاث سنوات وتغريمها 3 آلاف دينار ثم تم تحديد تاريخ لاستئناف هذا الحكم في 15 يونيو 2015، وكانت التهمة الموجهة لها هي "إهانة الملك".

 

وقد مثلت الخواجة أمام المحكمة في 15 أبريل ووجهت لها تهمة دخول منطقة محظورة (سجن جو)، وذلك أثناء محاولتها زيارة والدها. وقد صدر في 2 يونيو 2015، حكم بسجن زينب تسعة أشهر بتهمتي الولوج إلى منطقة محظورة وإهانة موظف عام، وبكفالة قدرها 300 دينار لوقف التنفيذ.

 

وتنتظر زينب الحكم في عدد من القضايا الأخرى. وسبق أن قضت عاماً في السجن بعد اعتقالها عام 2011 لمشاركتها في التظاهرات المطالبة بالديمقراطية. وكانت التهم الموجهة لها هي المشاركة في تجمع غير مصرح به وإهانة الشرطة.

 

رزان زيتونة

برز إسم الناشطة السورية رزان زيتونة كإحدى أهم المدافعات عن حقوق الإنسان اللواتي ساهمن في الثورة السورية. كانت تقوم مع ناشطين سلميين اَخرين بتوثيق انتهاكات وجرائم الحرب التي يرتكبها النظام السوري، من خلال مركز توثيق الانتهاكات الذي فرض نفسه كمرجعية لدى المنظمات الدولية لاحترافيته والأدلة التي يقدمها. فكانت رزان صوتاً للمظلومين في سوريا، وقد أسهم عملها في فضح النظام السوري، وهذا ما سبّب لها مضايقات كثيرة. وفي 9 ديسمبر 2013، دهمت مجموعة مسلحة مكتب مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، في مدينة دوما في ريف دمشق، واختطفت الناشطة رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي واقتادتهم إلى جهة غير معلومة. وإلى اليوم لم يعرف مصير رزان ولا الجهة التي اختطفتها، مع ترجيح المقربين منها أن يكون جيش الإسلام بقيادة زهران علوش هو مَن اختطفها كونه يسيطر على المنطقة.

 

لم يبدأ عمل رزان المولودة عام 1977 مع الثورة السورية. فقد بدأت سنة 2001 بالعمل محاميةً تحت التدريب، وكانت تدافع عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي منذ ذلك الوقت. كما كانت عضواً مؤسساً في جمعية حقوق الإنسان في سوريا واستمرت في عملها مع الجمعية حتى عام 2004. وعام 2005، أسست رابطة معلومات حقوق الإنسان في سوريا بهدف توفير قاعدة بيانات لانتهاكات النظام السوري. وكذلك كانت تنشط في لجنة دعم عائلات المعتقلين السياسيين في بلدها، وهي أيضاً عضو مؤسس في لجان التنسيق المحلية التي تأسست مع الثورة السورية. وقد نالت جائزة آنا بوليتكوفسكايا للمدافعات عن حقوق الإنسان، وجائزة ساخاروف الممنوحة من البرلمان الاوروبي بالاشتراك مع رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات.

 

سلوى بوقعيقيص

فرضت الناشطة الحقوقية والمحامية الليبية سلوى بوقعيقيص لنفسها مكاناً هاماً في مشهد الثورة الليبية وما لحقها من أحداث. فقد كانت من أبرز مؤسسي المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي نشأ ليدير مرحلة ما بعد سقوط النظام. لكن نضال سلوى لم يتوقف بسقوط الرئيس الليبي معمر القذافي، فنتيجة لميولها الليبرالية كانت في صراع دائم مع الجماعات المتشددة التي ظهرت في ليبيا بعد الثورة، وهو ما جعلها تفقد حياتها. فقد أطلقت جماعة مسلحة مجهولة في بنغازي، يوم 25 يونيو 2014، النار على رأس سلوى. تلك الجريمة قوبلت باستنكار شديد وأصدرت منظمات دولية عدة بيانات إدانة، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا. توفيت سلوى المولودة عام 1963 وهي تشغل منصب نائب رئيس الهيئة التحضيرية للحوار الوطني في ليبيا. وكانت قد عُرفت بنضالها من أجل مشاركة المرأة في الحياة السياسية والمساواة بين الجنسين.

 

مريم منت الشيخ

أخيراً، برز في موريتانيا إسم الناشطة مريم منت الشيخ مناضلةً ضد العبودية، فهي إحدى أهم الناشطات في حركة "إيرا" المناهضة للعبودية وأكثرهن شهرة في الوسط الحقوقي، وذلك لجرأة طرحها وانتقادها المجتمع ورجال الدين واتهامهم بتشريع العبودية في موريتانيا ونشاطها الدؤوب على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الميدان لإيصال صوتها برغم ما يوجّه لها من انتقادات من المجتمع المحافظ، واتهامها من البعض بأن طرحها عنصري. مريم من مواليد مدينة الزويرات المنجمية الواقعة شمال موريتانيا، عام 1983، وتنحدر من أسرة مناضلة. فوالدها كان مناضلاً ضد العبودية والتمييز في البلد، وهي حاصلة على إجازة في الاقتصاد.

 

دفعت مريم ثمن نضالها، وسجنت على خلفية مشاركتها في تظاهرات مطالبة بإطلاق سراح بعض قيادات حركة إيرا وبقيت في السجن نحو خمسة أشهر، ليفرج عنها في مارس 2015 بعد الحكم عليها بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ، وذلك بتهم الانتماء إلى تنظيم غير مرخص والتجمهر غير المرخص والتحريض على التجمهر. ولا تزال مريم تواصل نضالها وانتقادها للمجتمع المحافظ ورجال الدين وتطالب بإنهاء العبودية في موريتانيا وإنصاف شريحة الحراطين.